أديان السماء والأرض

بعض الباحثين يقول إن المشكلة الرئيسية في الأديان أنها نظرت دائماً إلى السماء بحثاً عن حل المشاكل في الأرض، ولو أنها نظرت من السماء إلى الأرض مرة واحدة فلربما عرفت أنه لا توجد لمشاكل الأرض حلول إلا في الأرض نفسها.

 

كليّة النظرة الدينية التاريخية في أكمل حالاتها، يقول باحثون، كليّة جزئيّة لأنها حاولت حل مشاكل الأرض اعتماداً على قوانين أوهم الكهنة الناس أنها قوانين السماء بكلام آلهة السماء لكن الكلام، حقيقة، كلام الأرض لأنه كلام الناس. لو أنها حاولت وضع القوانين الأرضية التي تناسب أهل الأرض فربما كان حال الانسانية غير ما هو عليه الآن. لا يعرف أحد مشاكل الأرض أكثر من أهل الأرض نفسها، ومعرفة المشاكل طريق أكيد إلى معرفة الحلول. هي مشاكل الأرض لا مشاكل السماء، يقول البعض، وحلها مسؤولية أهل الأرض لا مسؤولية أهل السماء، لذا معظم المشاكل القديمة لا تزال قائمة لأن معظم الحلول القديمة لا تزال قائمة.

بعضهم يلفت إلى عشرة آلاف سنة من الحضارة، وأكثر من خمسة آلاف سنة من تطوّر العلوم الفلكيّة وأكثر من أربعين سنة من سير الانسان على سطح القمر ثم يُستغرب كيف لا يزال البعض يعتقد بوجود مكانين مختلفين في الفضاء هما السماء والأرض. لكأنّ الأرض تختلف عن الكواكب الأخرى في مداراتها الفضائية، يقولون، لكأنها ليست مكوّرة مثل باقي الأجرام، لكأنها ليست من تكوين الولادة الكونيّة الأولى، لكأنّ الأرض ومن عليها ليس مصنوعاً من مادة الفضاء نفسها، يضيفون، لكأنّ الانسان ليس مصنوعاً من تراب الفضاء، لكأنه ليس مخلوقاً سماوياً مثل المخلوقات التي وصفتها الأفلام، لكأنّ الكهنة يعرفون ما لا يعرفه أحد غيرهم، يلفتون، لكأن المادة التي صُنع الانسان منها ليست المادة نفسها التي صُنعت منها آلهة.

البدائل التي عرضتها الأديان القديمة، يقول البعض، خلطة من الحقائق وأنصاف الحقائق والخرافات والأساطير جمعها جيل مخضرم من كهنة سومر الكبار ثم جيل من الكهنة الملوك تلتهما أجيال من الكهنة في بلاد الرافدين التقت جميعاً، أو معظمها، في التراث الديني المحفوظ في أراشيف الاقليم البالي عرفه الكهنة اليهود في بابل وأضافوا إليه التراث الكهنوتي اليهودي القائم في جزء مهم منه على المفاهيم الكنعانية. هذ التراث التراكمي أصل الكثير مما يُقرأ في الكتب اليهودية نقله المهتمون بهذا التراث إلى العربية. هو نقل أرضي وجد طريقه مرة بعد أخرى إلى المصادر السماوية، إلا أن وسيلة النقل هي الكلام، فهو كلام مجموع الكهنة والملوك الكهنة منذ ألوف السنين، ثم كلام «علماء» ليس من الواضح في الحالات جميعاً الفرق بينه وبين كلام الكهنة.

الكليّة الدينية، في نظر بعض الناس، جزئيّة لأنها لا تستطيع أن ترى كوكب الأرض من السماء. لا يوجد كوكب مثل الأرض في الجوار، ربما لا يوجد كوكب مثله في أي مكان آخر في الفضاء. ليس للانسان مكان غير كوكبه. كل هذه النظريات التي يتحدث بعض أصحابها عن وجود موطن بديل للانسان في مكان ما من السماء إذا أفسد أهل الأرض أرضهم وهم. لا يوجد مكان آخر. لو وُجد مكان آخر لكانت فيه حياة. لو رأى الناس كوكبهم من السماء فسيرون كم هو جميل هذا الكوكب، وكم هو رقيق وكم هو في درجة قصوى من الحساسية. إذا استمر الانسان في إلحاق الضرر بكوكبه، لن يكون له كوكب. هم يحذّرون: إذا فنى الكوكب لسبب ما، فلعل الكواكب الباقية كلها تفنى لأنها لن تجد عيوناً تنظر إليها أو عقولاً تفكر بها أو قلوباً تهفو للمسها لأن العيون والعقول والقلوب مصنوعة من المادة نفسها في الكوكب المنظور أو النجم.

استنتاج تأصيل الكلام أن خارطة الأديان واحدة تقريباً. مصادرها واحدة تقريباً، مفاهيمها واحدة تقريباً. الأساسيات في الأديان حفنة كلام واحدة، المتشابهات كثيرة، لكنها متشابهات في النهاية، والكثير من المتشابهات متماثلات. الصلاة قياماً وقعوداً أو قعوداً وقياماً أو وقوفاً أو ركوعاً لكنها صلاة. لا توجد أديان تحرّض على قتل الأبرياء، أو ذبح الأطفال، أو اغتصاب النساء، أو نهب أموال الآخرين أو غلظة الفعل والقول. لكن البعض يقول إن قتل الأبرياء لم يتوقف. البعض يقول: ذبح الأطفال لم يتوقف. اغتصاب النساء لم يتوقف. نهب أموال الآخرين لم يتوقف. الغلظة في الفعل والقول لم تتوقف.

هذه والمئات مثلها ليست مشاكل السماء بل مشاكل الأرض.

(Visited 23 times, 1 visits today)

Last modified: 31 ديسمبر، 2022

اشترك للحصول على نصائحنا الأسبوعية ، ومهاراتنا ، ومعداتنا ، ونشراتنا الإخبارية الشيقة.
Close