في أرابيت, أمة أد, الجنس بقلم

هل خلقت المرأة الرجل أم العكس؟

ابن عباس: “فقال أخو الدّميمة: أنكحني أختك وأنكحك أختي. قال: لا أنا أحق بأختي”

لخرافة خلق المرأة من ضلع رجل التي نقلها الطبري عن أحد المفسرين وكأنها قول مُنزّل أصل في كتاب اعتبره البعض من «الكتب السماوية» لكنه ليس القرآن. وسبب القول هو أن للعرب ثقافة تختلف عن الثقافة اليهودية تتضح مفاهيمها في اشتقاق لفظات مثل «أمن وإمام وأمّة» من *أم. وليس في القرآن نبيّات، لكن لمريم وصف إنساني بارع وتصوير تجسيدي جميل، لذا ربما رأى البعض تماثلاً بين الصورة القرآنية الكليّة وبعض تماثيل مريم المتقنة، ومنها تمثال مريم المتحجبة بحجاب شفاف حول رأس من الرخام الحليبي اللون.

والكثير من الاحتجاجات التي يوجهها بعض أهل الغرب لمعالجة قضايا المرأة في القرآن قائمة ليس على نصوص القرآن بل على نصوص تفسير المفسرين والمؤلين والمقولين لكلام القرآن أحد أسبابها ضعف لغة بعضهم، كما في تفسير ابن عباس للفظة «متاع» أو «قوّامون» أو «حصب» أو «فاطر»، وغيرها كثير.

والسبب الثاني هو أن جمهرة المفسرين، في حالات، قرأوا آيات القرآن الكريم ثم وضعوا القرآن جانباً وفتحوا كتب اليهود ثم نظروا تفسير المفسرين اليهود لكتابهم، والأصح لكتبهم لأنها كثيرة.

وبما أنه يقال إن أهل مكة أدرى بشعابها فأهل التوراة أدرى بتوراتهم فهو كتابهم له في نساء اليهوديات روايات تتضمن بعض الأعراف الخاصة بهم وبهن. لكن نساء العرب لسن يهوديات، ومجتمعاتهن ليست مجتمعات اليهود وما ينطبق على نساء العرب لا ينطبق بالضرورة على نساء اليهود فما هذا لهذا ولا ذاك لذاك.

ولا يعرف مفسرون أصول كلام القرآن الكريم وهو من كلامهم فتساوى الجهل بكلام القرآن الكريم مع جهلهم بأصول كلامهم. ولو عرف المفسرون وأصحاب تآليف النقل والتكرار أن “أم” أصل ثنائي قائم بذاته، لكانوا عرفوا بعض نسائل هذا الأصل العريق الذي ربما أخرجه الناس قبل 50 ألف سنة. نسائل ثلاثية حرجة موسعة في لفظات عظيمة مثل أمام وإمام وإمامة وأمن وأمل ووئام (وأم).

ويعني هذا، من جملة، أن “إمام” الأمة في التفسير أو الحديث يكرر السخف الباهر عن الاستيلاد لا من ضلع رجل فقط بل من ضع رجل له حال الاعوجاج الطبيعي لكنه لا يعرف في الوقت نفسه أنه لو لم يكن للمرأة مكانتها الرفيعة قبل عصر المفسرين لما وجد لفظة مثل “إمام” تصفه عن غير جدارة في معظم الحالات.

أما الخروج من نطاق تخلّف بعض مفاهيم جماعة التفسير فيكشف للعاقل أن للمرأة العربية وجود قوي جداً في السلطة (زنوبيا) والتاريخ والثقافة والكهانة يعكس بعض مفاهيمها الثقافية المختلفة عن الثقافة المقابلة في اليهودية، وتختلف أيضاً عن المفاهيم الثقافية عند الكنعانيين.

المقابلة بين الاسلام واليهودية مقابلة مصدريّة لا مكتسبة. وإذ قيل «لا كهانة» في الاسلام، فُهم القول لأن القرآن واضح لمن يعرف طريقة قراءته ويوظّف تأصيل الكلام لتبيين معانيه. لكن المقابلة اليهودية حرجة، فإذا قيل «لا كهانة في اليهودية» فلعل القائل يقول: «لا يهودية»، أو ربما قال «لا يهود».

ويبدو لمن يقرأ القرآن بفهم لا يعتمد على تفسير أحبار اليهود أو المتأثرين بهم من بطانة الطبري وغيره أن القرآن الكريم أخرج الكتب اليهودية السائرة من نطاق التنزيل الإلهي بعدما صيروا عزير رباً. ومن لم ينتبه من العقلاء إلى الاختلافات الأساسية بين قصص القرآن التوراتية وقصص التوراة نفسها ربما وجد أن «استكمال» قصة بعينها في القرآن بتفاصيل معينة في القصة التوراتية يزيل أسس الاختلاف بين الكتابين.

ولا يوجد خلاف أساسي بين روايتي العهد القديم ورواية القرآن لهابيل وقابيل لكن قابيل في التوراة قايين فهذا ليس اسم قابيل بل اسم قبيلة يهودية اشتهر بعض أبنائها بالتأليف معروفة باسم قينقاعن أي قين و قع بمعنى “مقام قين”. لكن الاختلاف كبير بين رواية العهد القديم ورواية جماعة كلام التفسير التي انسحب بعضها على نصوص القرآن نفسها بالمكاننة، فهو مردود في الرواية الأولى إلى قبول الرب قربان هابيل ورفض قربان قابين، وهو السبب نفسه في القرآن (الآية 27). إلا أن السبب الذي أخرجه ابن عباس اختلاف الأخوين على نكاح أختين لهما، واحدة وسيمة والثانية قبيحة:

«أخبرني عبد الله بن عثمان بن خثيم، قال: أقبلت مع سعيد بن جبير أرمي الجَمْرة، وهو متقَنّع متوكئ على يدي، حتى إذا وازينا بمنـزل سَمُرَةَ الصوّاف، وقف يحدثني عن ابن عباس قال: نهى أن ينكح المرأة أخوها تُؤْمها، وينكحها غيره من إخوتها. وكان يولد في كل بطن رجل وامرأة. فوُلدت امرأة وسيمة، وولدت امرأة دميمة قبيحة. فقال أخو الدّميمة: أنكحني أختك وأنكحك أختي. قال: لا أنا أحق بأختي. فقرّبا قربانًا، فتقبل من صاحب الكبش، ولم يتقبل من صاحب الزرع، فقتله. فلم يزل ذلك الكبش محبوسًا عند الله عز وجل حتى أخرجه في فداء إسحاق، فذبحه على هذا الصَّفا في ثَبِير، عند منـزل سمرة الصواف، وهو على يمينك حين ترمي الجمار… فلم يزل بنو آدم على ذلك حتى مضى أربعة آباء، فنكح ابنةَ عمه، وذهب نكاح الأخوات» (تفسير الطبري).

وفي هذا الكلام أخطاء تاريخية كثيرة لكن المدهش أن ابن عباس رواها وكأنه كان مع هابيل وقابيل وفي يده مسجلة سوني. أما الأخطاء التاريخية فمنها أن الانسان لم يستألف الماعز والخراف إلا من نحو ثمانية آلاف سنة ولم يعرف الزراعة إلا منذ نحو 10-11 ألف سنة فيما قصة أولاد آدم يفترض أنها سبقت التأريخ بكثير.

(Visited 10 times, 1 visits today)

Last modified: 4 يناير، 2023

اشترك للحصول على نصائحنا الأسبوعية ، ومهاراتنا ، ومعداتنا ، ونشراتنا الإخبارية الشيقة.
Close