جماعة تفسير القرآن الكريم ليست الوحيدة المسؤولة عن إفساد العقل العربي وربما عقول بعض المسلمين لكنها لا تستطيع إنكار مساهمتها المهمة في عمل الافساد. ويتقدم الجماعة شيخها ابن عباس فله موقف من النساء واضح في عدد من الحالات المُخلدة في نصوص تكررت في أكثر من مرجع اعتمدته «السنة» رأى البعض أنه موقف اليهودية لا موقف الاسلام، ورُدَّ في حالات إلى ضعف فهمه للغة القرآن و«حريّة» تفسيره الذاتي للفظات حرجة مثل «التأويل» و«الشرع» فأعطى نفسه حقوقاً لاحق له بها ولا حق لبعض جماعة الاشتغال نفسه بمنحه الحقوق تلك لأن الناس لم تمنحهم هذا الحق وإنما تناقلوه في ما بينهم.
لذا، فابن عباس ليس مجدر فرد من جماعة التفسير بل ربما كان «حالة» ليست الوحيدة بين جماعة التفسير تتطلب معالجتها مساحة مختلفة عن هذه. وإنما يمكن هنا القول إن «آباء» اليهودية و«أجدادها» ليس بعضهم في واقع الحال سوى آباء وأجداد ابتكر كهنة اليهودية وخلقوهم على هيئتهم في اشتغال كهنوتي لا مكان فيه للمرأة في صالات نسخ الكتب الدينية ولا في المعابد، لذا لم يكن للمرأة بين عشرات الأنبياء والكهنة نبية أو كاهنة واحدة، ودورهن في معظم الكتب اتصل بفروجهن، كأمهات أو زوجات أو سبايا، ورأى البعض لهن دوراً اتصل بالمكان العضوي نفسه لكن في معابد الآخرين، أو ما أسماه الكهنة سكوث بنوث (الملوك 2، 30:17).
وهذه الحالة ليست مختلفة في ما يقابل الكهنة في التفسير، لكن المقارنة في احترام المرأة بين اليهودية والاسلام لا تتحقق بمقارنة آراء اليهودية وآراء جماعة التفسير بل بين مقارنة آراء جماعة التفسير وبين المفاهيم المتصلة بالمرأة لدى أصلاء العرب أخرجها قوم أد في الفصيلة اللغوية العريقة ✤أح⇆حأ، التي لم تعرف جماعة الكلام بوجودها في كتلة الكلام نفسها التي استخدموها في التفسير.
ويعرف من درس بعض نواحي العلوم الكلاميّة أنه لا يكفي أن يُقال إن هذه اللفظة يهودية أو كنعانية أو يونانية أو لاتينية. من الضروري تقديم الدليل المخلد للفظة محل الاحتكام، وعرض أصولها الأولى. لذا من غير المنطقي أن يقول اليهود إنهم أخرجوا إلى العالم اسم «حواء» وأن يتكرر ذلك في الكتب الأخرى.
حواء من الأصل الثنائي *حأ، ومثلها لفظات مثل «الحياة» و«الحيّة». بما أن *حأ تعني الماء في لفظة مثل «حوض»، فاتصال حواء والحياة والحيّة بالماء واضح. إلا إن إقامة الاتصال بين الماء وبين حواء والحياة مهمة لشأن آخر. إذا كان الماء أساس الحياة، وكانت حواء نتاجه الخلقي، فنتاجه الخلقي أيضاً هو الرجل، أي أن الحياة أنتجت الرجل والمرأة.
هذا مفهوم يختلف تماماً عن مفهوم التوراة فهو مفهوم طبيعي معكوس. ما تقوله الفصيلة اللغوية بالاستنتاج المُستكمل بمبادىء علم الأحياء أن الرجل والمرأة في أصل الأصل مادة خَلقيّة واحدة تكاثرت بالانشقاق الخلوي، ثم تطورت الخلايا فانتجت المرأة والرجل. قالب الخلق في المرأة قالب أنثوي، يتحوّل نتاجه في مرحلة لاحقة من مراحل نمو الجنين إلى ذكر. الكهنة عكسوا المبدأ الطبيعي فأخرجوا المرأة لا من المادة التي خُلق منها آدم الرجل بل من مادة من الرجل نفسه هي واحدة من أضلاعه (التكوين 21:2).
وليست المرأة في خلق الكهنة من صنع جزء من الرجل بل دلالتها اللفظية من اسمه الدلالي: «فَقَالَ آدَمُ: «هذِهِ الآنَ عَظْم مِنْ عِظَامِي وَلَحْم مِنْ لَحْمِي. هذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَت» (التكوين 23:2).
في التأصيل اللغوي، كلام هذا الكتاب المقدس غاية في العجب. إن تأصيل الكلام لم يكن يتصوّر أنه يمكن أن يصبح سهم «العقب التوراتي» وهو غير معني به لأن تأصيل الكلام حيادي. لكن ربما لوحظ أن قصة الخلق الكهنوتية في سفر التكوين واقفة على رأسها. وكانت قصة خلق المرأة احتملت تفسيراً آخر لو كان خلق المرأة رمزياً، إلا أنه ليس هكذا فهي قصة خلق واقعية لا تحتمل أي تأويل آخر، كما يبدو.
ما يمكن فهمه من هذه القصة هو أن صدر آدم كان «رحم» حواء فألغى هذا التجنين الرحمي في صدر الرجل أهم أدوار المرأة في المطلق، أي الخلق البشري، ورد أصله إلى الرجل فنفى دورها الأمومي من المنبع.
ويوضح تأصيل الكلام أن فكرة الخلق هذه واقفة على رأسها لأن الكهنة لا يعرفون أصول الكلام وبالتالي معانيه. ما قاله الكهنة هو أن المرأة اسمها «امرأة» لأن مخلوقة من جزء من «المرء». وهذا ليس صحيحاً لأن كلا «مرء» و«مرءة» من رحم ثنائي واحد هو *رأ، وكلا الاسمين في تأصيل الكلام سابقتان ثلاثيتان لهذا الأصل الثنائي، فيما تاء النسوة مضافة للدلالة على التأنيث، فهذه من الاضافات التي الحقها الناس بالكلام في ألفيات لاحقة.
أما في العصور قبلها فكان اسم الرجل «مرء» واسم المرأة «مرء» وكذ1لك اسم الشيخ والطفل. لهذا السبب لا يوجد في الكلام جمع للفظة «مرء» لا لقصور في عمل الجمع، بل لأن الناس كانوا يعرفون أن حالة الجمع ستُنتج الحالة التي في المفرد، أي أن لفظة الجمع ستعني النساء والرجال في آن لأن اللفظة في المفرد تعني المرأة والمرء.
وليس في كلام العاربة، وبالتالي العربية، الالتباس الذي ميّز لفظ اليهود لكلام ليس كلامهم الأصلي. ذلك أن لفظات مثل «ناس» و«انس» و«إنسان» و«انسى» (أي أنثى في اللفظ المؤثّل) من أصل ثنائي هو «نس» سيعرف المرء معناها في الفعل «نَسَل» وفي الاسم «نَسْل»، فهذا عمل المرأة، أي انتاج النسل، واضحة في المحكيّة «نسوان» وفي النصوصيّة «نساء».
لا دور للرجل في عمل الخلق البشري هذا سوى دوره الثانوي ناقلاً بعضوه بعض مادة الخلق إلى رحم الخلق. وإذ يستطيع أي رجل قادر أداء هذه المهمة الثانوية، يبقى الرجل عاجزاً عن احتواء الرحم. لهذا مجتمعات العاربة، والعربية، مجتمعات أموية لأن الأم أعرف من الرجل في معرفة أبيه.
أما لماذا اسم «مرء» و«مرءة» هكذا فلأنهما من فصيلة لغوية هي فصيلة مجتمع الانسان وخلقه البشري ✤أر⇆رأ. وقيل في أكثر من مكان من كتاب “أصل الكلام” إن الكلام القديم جامع فهو كلام الجنس، اي اجتماع الأجناس من الأشياء في الحالة البيانية الواحدة. مثلاً، أر كلمة جامعة مجموع معانيها هو مجموع معاني النسائل المُستخرجة منها. مثلاً، من معاني أرر: 1) الأَرُّ: الجماع؛ 2) رجل مِئَر أَي كثير النكاح، مأْخوذ من الأَيْر.
والقول الأخير غير صحيح وإنما الصحيح أن «مِئَر» من *أر و«أأر» (أير) من *أر أيضاً، وكلا مئر وأير سابقتان ثلاثيتان لهذا الأصل الثنائي. أما النسائل فمنها أرث، أرض، ورث، أرش، أرك (ورك، ومن معانيها المؤخرة)، وأرب (الرغبة خصوصاً الجنسية، وهي تعني الأير أيضاً)، وأرش (الاغراء الجنسي)، أرج، وغيرها.
أما مرء فهي من لفظات القرينة *رأ، فهي سابقة ثلاثية (م + رأ)، واتصالها بأصلها الثنائي واضح لأن المرء والمرأة نتاج الأر، أي النكاح. ولا يعرف كهنة اليهود أصل الكلام المُستعار من الكنعانية، لذا فإن قول العهد القديم: «هذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَت» كلام من لا يعرف أصول الكلام الذي كتبت به التوراة، مما يقتضي من تراجمة هذه الكتب التصحيح.
أما وقد أوضح تأصيل الكلام خطأ مهماً في التوراة، ورد مرء ومرءة إلى أصل واحد فساوى بينهما مساواة لا ريب فيها، يُنتقل الآن إلى عرض أسباب إخراج حواء وآدم من الجنة. في التكوين 2: 6: «فَرَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّ الشَّجَرَةَ جَيِّدَة لِلأَكْلِ، وَأَنَّهَا بَهِجَة لِلْعُيُونِ، وَأَنَّ الشَّجَرَةَ شَهِيَّة لِلنَّظَرِ. فَأَخَذَتْ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَكَلَتْ، وَأَعْطَتْ رَجُلَهَا أَيْضًا مَعَهَا فَأَكَلَ.»
والجملة الأخيرة واضحة، أي أن حواء «أعطت رجلها» الثمرة فأكلها من دون معارضة، ولو شاء لرفض. وعندما تغيرت أحوال الجنة بعد أكل الثمرة، اختبأ آدم وامرأته، فسأله الرب إن كان أكل من الشجرة التي أوصي أن لا يأكل منها فرد آدم (12): «الْمَرْأَةُ الَّتِي جَعَلْتَهَا مَعِي هِيَ أَعْطَتْنِي مِنَ الشَّجَرَةِ فَأَكَلْتُ.»
ولا ينبغي أسقاط مفاهيم اجتماعية واخلاقية على مفاهيم عصر غيره، لكن يمكن القول إن آدم لم يكن شهماً فحمّل زوجته مسؤولية ثمرة أكلها من دون إكراه. وعقاب المرأة على أكل الثمرة رهيب (16): «تَكْثِيرًا أُكَثِّرُ أَتْعَابَ حَبَلِكِ، بِالْوَجَعِ تَلِدِينَ أَوْلاَدًا. وَإِلَى رَجُلِكِ يَكُونُ اشْتِيَاقُكِ وَهُوَ يَسُودُ عَلَيْكِ.».
هذا عقاب المرأة لأنها أكلت ثمرة، لكن عقاب آدم ليس لأكل الثمرة، فهذا يرد في السبب الثاني، وإنما لأنه سمع قول امرأته (17): «لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِ امْرَأَتِكَ (1) وَأَكَلْتَ مِنَ الشَّجَرَةِ (2) الَّتِي أَوْصَيْتُكَ قَائِلاً: لاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، مَلْعُونَة الأَرْضُ بِسَبَبِكَ. بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ.» أما سبب تسمية حواء باسمها فهو (20): «وَدَعَا آدَمُ اسْمَ امْرَأَتِهِ «حَوَّاءَ» لأَنَّهَا أُمُّ كُلِّ حَيٍّ.»
ولا يتفق تأصيل الكلام مع تأصيل كهنة التوراة في أن حواء سميت باسمها لأنها أم كل حي، فالأحياء كثر، وإنما لأن اسمها واسم الحيّة واسم الحياة من أصل ثنائي قديم هو *حأ/حو، الذي ينتمي إلى الفصيلة ✤أح⇆حو/حي، حالتها البيانية الماء وما يتصل به، فالماء، في اعتبار قوم أد، أصل الحياة.
إذاً، استغل كهنة اليهود رواية الخلق لتحميل المرأة وزر الخروج من الجنة، وعاقبوا آدم لأنه سمع كلام زوجته، وقرروا للمرأة مصيراً أبدياً عبودياً هو سيادة الرجل على حياتها، وساقوا في ذلك كلاماً أوضح تأصيل الكلام قلة فهم الكهنة له، وبالتالي فساد تأصيله.
القرآن الكريم، ما علاقته بكل هذا؟
والعقل العربي ما ذنبه في الابتلاء بمثل هذه الجماعة؟
Last modified: 4 يناير، 2023