في أرابيت, الأسرة, الجنس بقلم

هل أتاح الله ضرب أمهاتنا وبناتنا؟ (1)

بعث قارىء رسالة قصيرة تمنى فيها توظيف تأصيل الكلام في نظر معنى كلمة وردت في القرآن الكريم، وهذا ما توصل إليه تحليل الكلمة وتحديد نواتها اللغوية أو أصلها الثنائي وهو حتماً من ابتكار أجداد العرب في عصر الحجر:

القارىء، أو غيره، خاطب موقع مشكاة (شبكة مشكاة الاسلامية) مستفسراً: “ما رأي فضيلتك في مَن يقول إنَّ ضرب الزوجة الناشز الذي في الآية (وَاضْرِبُوهُنَّ) تعني المفارقة والمُباعدة، ولا تعني الضرب البدني؟، ويستشهدون بمواضِع ذِكر كلمة (ضرب) في القرآن الكريم وأنها لم تأتِ بمعنى الإيذاء البدني، وإنما جاءت بمعنى المُباعدة، ويستشهدون بأقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال (لا تضربوا إماء الله) ، وأنه عليه الصلاة والسلام لَمّا غضب على زوجاته هجرهنَّ شهرًا ولم يضربهنَّ، فهل يصِحّ تفسير (وَاضْرِبُوهُنَّ ) بمعنى ابتعدوا عن زوجاتكم حتى يتأدبن؟”

وكان الجواب كالآتي:
“هذا مِن تَحْرِيفات وتخريفات الانهزاميين !!وَهُم أوْلَى بِوَصْف التخلّف فإن أحدهم يقول عن مُفسّري الأمة : (فما توفَّر دائما للمفُسِّر العِلمُ ورجاحةُ العقل ولا سيما في العصور الخوالي التي سادها ظلام التخلف). وأي تَخَلُّف وظلام أشدّ مما فيه مَن يتخبّط في تفسير القرآن بانهزامية، حتى لا نظهر أمام الغرب الكافر بِمظهر مَن يؤمنون أن ضَرْب النساء جاء في القرآن !!ومما استدلّوا به قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى) وفسّروا الضرب هنا بأن يَفْرُق لهم طريقا، ومِن العجيب أنهم استدلّوا على ذلك بقول تعالى: (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ)، وهذا صريح في أنه ضَرْب بالعَصا فأوّلوه على أنه باعَد بين جانبي الماء !وما فائدة الضرب بالعصا حينئذ؟؟

وأما الضرب في آية النساء فهو على ظاهره. وهو آخر علاج، فالمرأة التي ترجِع عن نشوزها بالوَعْظ، لا يَجوز أن تُهْجَر فضلا عن أن تُضْرَب، والتي تنتفع بالهَجْر في الفراش لا يَجوز أن تُضْرَب، والتي لا يُجدي معها وعْظ ولا هَجْر، يَجوز أن تُضْرَب ضَرْبا غير مُبرّح، مع أن تَرْك الضرب أوْلى فالله عَزّ وَجَلّ جَعَل علاج النشوز والترفّع بالتدرّج.
قال تعالى: (وَاللاّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا.) قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: هَذِهِ الأَفْعَالُ عَلَى تَرْتِيبِ الْجَرَائِمِ، فَإِنْ خَافَ نُشُوزَهَا بِأَنْ ظَهَرَتْ أَمَارَتُهُ مِنْهَا مِنَ الْمُخَاشَنَةِ وَسُوءِ الْخُلُقِ، وَعَظَهَا، فَإِنْ أَبْدَتِ النُّشُوزَ هَجَرَهَا، فَإِنْ أَصَرَّتْ عَلَى ذَلِكَ ضَرَبَهَا. وكيف أن الله خَتَم الآية بقوله: (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلا)، فليست المسألة تَسَلُّط، وإنما هي أدَب وعلاج، فمتى ما استقامت المرأة، فلا يَجوز ظلمها، قال القرطبي: قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ) أَيْ تَرَكُوا النُّشُوزَ (فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) أَيْ: لا تَجْنُوا عَلَيْهِنَّ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ. وَهَذَا نَهْيٌ عَنْ ظُلْمِهِنَّ بَعْدَ تَقْرِيرِ الْفَضْلِ عَلَيْهِنَّ وَالتَّمْكِينِ مِنْ أَدَبِهِنَّ. فالضَّرْب أشْبَه شيء بالْكَيّ، فهو علاج أخير، وإن كان مَنْهِيًّا عنه.”
رابط السؤال والجواب هنا:

http://www.almeshkat.net/vb/showthread.php?t=110597 – gsc.tab=0

ويبدو لتأصيل الكلام أن للسائل الحق في الاستفسار إن كان بعض المفسرين أخطأ تفسير الكلمة أو أخرج نفسه من حيز التأويل إلى حيز التقويل فرأى أنها تعني “الضرب الجسدي”، لذا ليس مفهوماً لما وجد المجيب عبد الرحمن بن عبد الله السحيم عضو مكتب الدعوة والإرشاد في الاستفسار استفزازاً فسفّه اقتراح السائل ومن يفكر بالطريقة ذاتها، وأخرج منطقاً ربما رأى البعض فيه منطق البيانات السياسية ورمى من اقترح أن “اضْرِبُوهُنَّ” (النساء، 34) ربما كانت تعني “المفارقة والمُباعدة” بصنوف “تَحْرِيفات وتخريفات الانهزاميين”!!، ثم انبرى لمن اقترح أن المفسر ما توافر له دائماً العلم ورجاحة العقل ببيان سياسي آخر فيه: “أي تَخَلُّف وظلام أشدّ مما فيه مَن يتخبّط في تفسير القرآن بانهزامية، حتى لا نظهر أمام الغرب الكافر بِمظهر مَن يؤمنون أن ضَرْب النساء جاء في القرآن”!!

هل كلام مثل هذا سيمنع بعض الرجال من ضرب النساء؟ لماذا ليس في الاعلان إنذار مثل: العنف ضد المرأة جريمة يعاقب عليها القانون؟

ومعظم ما ساقه المجيب في معرض رده على المؤلف من أكثر من 2400 كلمة اقتطافات من مفسرين ومحدثين، وإحصاءات عن ضرب الرجال النساء في الغرب ونحوه. ولو تعمّن الكاتب في الأمثلة التي عرضها فربما كان شاء تجاوزها لسبب بسيط. صحيح أن بعض الرجال في الغرب يضربون نساءهم لكن القانون لا يتيح للرجال ضرب النساء فهذه جريمة فظيعة يُعاقب عليها المعندي ويسجن وتعطي المحكمة الزوجة حق الانفصال عنه. عندما يزعم كاتب أن الله أتاح للرجال ضرب النساء فهو يريد من الرجال ضرب النساء لكنه يريد إعفاء الرجال من العقوبة التي يستحقونها لارتكاب هذه الجريمة النكراء بالزعم أن الله والقرآن والرسول سمحوا للرجل أن يضرب زوجته، أي أن ضرب الزوجة حق للرجل أتاحه القرآن في حالات.

السيد السحيم وأمثاله من المحرضين على ضرب الزوجات والمروجين له قاتهم كما يبدو أمر مهم لو كانت عندهم القدرة على التفكير السوي لسألوا أنفسهم من هي الزوجة سوى أم أطفالها ومن هي سوى ابنة نساء ورجال آخرين ومن هي سوى أخت هذا والآخر والثالث؟ هل من المعقول أن ننتظر من الأم أن تكون مربية الأجيال وفي بيتها زوج يضربها عندما يشاء وفي حالات كثيرة أمام أولادها وبناتها؟ عندما يضرب الزوج زوجته أمام أطفالها أو عندما يسمعون بكاء أمهم فيما الزوج يضربها فما هو الوازع الذي سيمنع الابن السامع من ضرب زوجته هو الآخر يوماً ما؟

هذا خلط محرض على ضرب امهاتنا وخواتنا وبناتنا لا يجوز السماح له بمنبر يبث منه سمومه وحقده على المرأة ويبت في مسألة غاية في الأهمية لأن هذه الحالات تقديرية في معظمها ربما صعب إثباتها.  ألا يمكن في حالات نظرية أن يزعم الزوج أنه ضرب زوجته لأنها لم تطعه فيما السبب الحقيقي أنها لم تسمح له أن ينكحها في دبرها؟
إذاً، حالات ضرب رجال الغرب زوجاتهم تختلف عن الحالات التي رغب المجيب في عرضها. المسألة لا تحتاج إلى لف ودوران فهي واضحة تماماً في استفسار غاية في الوضوح والبساطة:   هل يوجد احتمال لغوي بأن الكلمة في القرآن الكريم ليست “اضربوهن؟” وأنها لا تعني الضرب العضوي؟

لا توجد في الرد إجابة عن هذا السؤال المحدد، وإنما فيه الاصرار الشخصي الذي لا يعتمد إسناداً لغوياً أن تفسير الكلمة في الآية هو ضرب المرأة، ودعم ذلك بالقول: «مما يدُلّ على أن الضَّرْب المذكور في آية النساء: أنه الضَّرب المعروف قول النبي صلى الله عليه وسلم: اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يُوطِئن فُرُشَكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضْرِبُوهنّ ضَرْبا غير مُبَرِّح. رواه مسلم.*

هل البرهنة على أن الكلمة في القرآن الكريم تعني الضرب تُدعم بحديث؟ هل يُقارن كلام مسلم بكلام القرآن الكريم؟ كلام مسلم لا عصمة فيه وكلام القرآن كلام الله وفيه العصمة التامة. أليس من الواضح أن كلام مسلم “حديث” وكلام القرآن الكريم “مُنزّل؟”

إذاّ، أعلى المجيب رده باستحضار ما نُقل عن مسلم، لكنه لم يحاول أن يعرض ما هو الأساس اللغوي الذي اعتمده لتفسير الضرب الجسدي، ولماذا لم يشر إلى أمثلة كثيرة في لسان العرب وغيره جاءت فيه الضاد بدل الصاد أو العكس علماً أن حالات البدل في العربية بالمئات.

إذاً، هو رأي رجل متغوّل في مواقفه الشخصية ضد المرأة أسنده بأقوال آخرين فسر كلامهم بالنحو المتوافق مع رأيه في التعامل مع المرأة بالعنف لكن لا صلة له بتأصيل الكلام، وسيُعرض هنا رأي تأصيل الكلام في الكلمة لأن معاني الكلام ولفظه أساس اشتغاله.

تأصيل الكلام

في معرض رد المجيب ثلاث نقاط شائكة الثالثة في آخر المقال الثالثة وهنا اثنتان:

1. “لو لم يضرب الرجل امرأته الناشز، كان تارِكا لبعض حقِّه”، فهذا رأي المجيب بأن ضرب المرأة الناشزة “حق” وإن كان استند فيه على أقوال الجماعة: “أما كَون النبي صلى الله عليه وسلم لم يضرب، فهذا مِن كِمال خُلُقه صلى الله عليه وسلم. قال الصنعاني: وَلا رَيْبَ أَنَّ عَدَمَ الضَّرْبِ وَالاغْتِفَارِ وَالسَّمَاحَةِ أَشْرَفُ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا هُوَ أَخْلاقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ: مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً لَهُ، وَلا خَادِمًا قَطُّ، وَلا ضَرَبَ بِيَدِهِ قَطُّ إلاَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ تُنْتَهَكُ مَحَارِمُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ. والحديث الذي ذَكره أخرجه مسلم بِنحوه. وفِعله عليه الصلاة والسلام في هجر نسائه شهرا ، ليس فيه دليل على عدم الضرب، وإنما فيه كَريم خُلُقه عليه الصلاة والسلام، وأنه لا يلجأ إلى الضرب، وهو تَرْك خيار يَجوز للإنسان تَركه، فلو لم يضرب الرجل امرأته الناشز، كان تارِكا لبعض حقِّه، مُتنازِلا عنه.”

2. هؤلاء قوم تجرأوا على تفسير كلام الله عَزّ وَجَلّ ضارِبين بتفسير القرآن بالسنة عرض الحائط، مُعرِضين عن تفاسير السلف، بل وتنقَّصُوا المفسِّرين، وأتوا بما لم يأتِ به الأوائل. وهؤلاء لو جِيء بهم إلى الإمام مالك لَجَعلهم نَكالاً! ورَحِم الله الإمام أحمد إذْ كان يقول: إياك أن تتكلّم في مسالة ليس لك فيها إمام، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وكل قول يَنْفَرِد به المتأخر عن المتقدمين ولم يَسبقه إليه أحد منهم؛ فانه يكون خطأ.

لم يوضح المجيب ما هو أساس اعتقاده أن ضرب المرأة “بعض حق” للرجل، ولا يبدو أن هذا ما قصده، وإنما استنتاج من أقوال غيره ساقها في معرض رده المطوّل. لكن يبدو لتأصيل الكلام أن المجيب عبد الرحمن بن عبد الله السحيم يخلط بين أمرين لا يجوز الخلط فيهما ذلك أن القرآن كتاب مقدس أما التفاسير فلا قدسية لها أولا لأصحابها من أي نوع وفي أي حالة كانت فهم خلق مثل باقي الخلق، لذا يُستهجن أن يورد المجيب في نصه كلاماً مثل “تجرأوا على تفسير كلام الله عَزّ وَجَلّ” وكأن للمفسرين حق طبيعي في التفسير لا يحق لأحد غيرهم، أو كأن القرآن نزل للمفسرين وجماعة الكلام لا للناس جميعاً، أو أن معرفتهم بكلام القرآن مطلقة وهذا صعب الاثبات لأن أخطاءهم بالمئات.

وقيل إن كلام المفسرين لا عصمة فيه ولا قدسية ولا حتى احترام ما لم يكن قادراً على فهم كلام القرآن الكريم، وليس الانسان بقراظ مدّاح للمفسرين كافة فما كل المفسرين مثل بعضهم ولا معرفتهم واحدة ولا وعيهم بأهمية الكتلة اليمنية في نصوص القرآن ظاهر، وإنما هم جماعة انخرط بعضهم في عمل التأليف باختيارهم ارتزاقاً أو رغبة في منصب أو مكافأة ونزلوا إلى سوق التأليف مثلهم مثل غيرهم ويسري عليهم ما يسري على باقي المؤلفين من الاشادة أو النقد أو الاعلاء أو التهبيط،

وما كل كتاب استشهد مؤلفه بآيات القرآن أو الحديث قدسي طاهر لا يحق لأحد تبيان أخطائه وهفواته أو توعده بالتنكيل فما هكذا يكون النقاش في أمور تهم المسلمين جميعاً، ولا هكذا يكون البحث العلمي المحكوم بالمنطق والأدب واحترام رأي الناس لا تسفيه آرائهم واتهامهم بالانهزامية والتحريف ومراعاة “الغرب الكافر”.

ولا يجد تأصيل الكلام مشكلة في البيان أن بعض المفسرين أخطأوا التفسير فليس تصحيح أخطاء المفسرين، وهي بالمئات، ما يذم عليه المصحح المتمرس في تأصيل الكلام، وليس المسلم بملزم باعتماد هذا التفسير أو ذاك أو أي تفسير كان فالقرآن نزل بكلام العرب والعرب يعرفون كلامهم وليس شرطاً أن ينتمي المفسر إلى أهل أرض السواد أو الاقليم البابلي فيُحترم رأيه أو يُقدّس. ولا يخفي  السيد السحيم عرضه مسألة التنكيل متجاورة مع  من “ضربوا بتفسير القرآن عرض الحائط”، وليس لأحد الحق أن يقرر من هو المخوّل بتفسير القرآن أو أن تفرض الجماعة على الناس من هو حبر الأمة ومن هو إمامها فيمدح بعضهم بعضاً في سوق احتكروها، وليس لأحد الحق بالنطق باسم الأمة أو أن يصف الشارحين بـ”مُفسّري الأمة” ما لم يكن المقصود بـ”الأمة” جماعة التفسير والكلام فيما معروف أن بعضهم استغل الاشتغال بالتفسير والتفقيه لشغل مناصب القضاة والولاة في الأمصار، ومعروف كذلك موقفهم من المأمون وكيف انصاعوا له باستثناء واحد لا غير. المنطق يفترض أن يُترك الأمر للناس فإن وجدوا المفسر قادراً على التفسير احترموه، فهذا حقهم، وأن وجدوا التفسير على غير ذلك وكان المفسر مقصراً فما هو الذنب إن ضّربت سمعته بعرض الحائط أو ساقطها الناس في المرحاض؟

ولا رأي لتأصيل الكلام خارج حدود تأصيل الكلام، لكن الكلام منطق يمكن أن يستند على الاستدلال والمقارنة ذلك أن البراهين على أن النبي لم يضرب النساء كثيرة واختار هجرهن في حالة، وربما رأى البعض أن مجرد إتاحة الضرب بوابة، فلو قيل في الاستثناء بأهمية تجنّب ضرب الوجه فهل ضرب الثديين، مثلاً، أهون؟ لغوياً، يُقال: ضربه فقتله، أو: ضربه فجرحه، لذا لا توجد في كلمة “ضرب” حدود ذلك أن جسد المرأة ضعيف بالطبيعية مقارنة بالرجل عموماً والطلاق متاح فلماذا الضرب في الأساس؟

ومن المؤسف أن رغبة  السيد السحيم بالتنكيل بمن يقترح لكلمة ما في القرآن تفسيراً مختلفاً أخرجته من موقع الحياد البحثي ووضعته في موضع الانحياز لجماعة التفسير، وبما أنه لم يحدد، فالكلام في المطلق، لكن يُكرر أنه ليس لكل ما كتبه المؤلفون في التفسير وغيره أي قدسية كانت. القرآن وحده مقدس ولا يسري اعتبار القدسية على أي كتاب آخر.

المشكلة الثانية أن السيد السحيم زج السائل في اجتماعيات العرب والغرب فيما السؤال واضح باستبيانه اللغوي: هل يمكن أن تعني كلمة “اضربوهن” حالة لا ترقى إلى الضرب الجسدي؟

هذه حالة لا يفصل فيه مفسر أو محدث أو داعية أو شيخ لأنها اختصاص لغوي هو اختصاص تأصيل الكلام. بما أن جماعة التفسير، ومعها جماعة اللغة، وهي في بعض الحالات واحدة، لا تعرف أصول العربية فليس للجماعة سبيل إلى المعرفة اللغوية غير ما جاء في كتب الآخرين أو أشعار أو ما تعرفه باقي الجماعة، أو الاستدلال السياقي أو الافتراض.

وليُعرف أن المطالب الثلاثية الصحيحة (أكل، شرب، لعب) في كلام العربية ليست أصول كلام العرب وكلام العاربة من قبلهم وإنما الأصول الثنائية. بما أن معاني الثلاثيات مستمد في جله من معاني الأصول الثنائية فإن الطريقة الوحيدة المتاحة للتحقق من معاني الكلام الثلاثي هي استشارة معاني الأصول الثنائية. مثلاً، إذا اختلف الناس على معنى “قطف” فإن تحديد أصلها الثنائي كفيل، في معظم الحالات، بحسم الاختلاف. الأصل الثنائي في هذه الحالة “قط” وهي يعني القطع. عندما احتاج الناس إلى تخصيص الكلام في العصر الزراعي أضافوا حرفاً بعد الأصل الثنائي وأخرجوا “قطف”.

هذا مبنى اسمه النسائل الثلاثية هدف إخراجه التخصيص والتمييز لتلافي سوء الفهم فالفرق واضح بين “قطف الشجرة” و”قطع الشجرة”. كلاهما أصله القطع لكن القطف عمل مخصوص.

المشكلة الثالثة هي أن جماعة التفسير، بل ومعظم الناس، يعتقدون أن القرآن نزل بحالته الراهنة، أي أنه كان منقطاً مُشكلاً فيما معروف أن نصوصه كانت مهملة، أي بلا تنقيط وتشكيل، فهذا اشتغال أهل السواد في العراق، لكن في المكتبات ألوف المخطوطات المهملة بما في ذلك أعداد ضخمة من مخطوطات القرآن.

كلمة “واصربوهن” مشار إليها في مخطوطة قرآنية مهملة، أي بلا تنقيط أو تشكيل.

 

وفي الرابط أدناه ارشادات في شأن حالات ضرب الزوجات والأدوات التي يمكن استخدامها في تنفيذ الجريمة فما يقوله هذا الرجل تحريض على ضرب النساء وتسويغ له ولو قال هو وأمثاله علناً مثل هذا التحريض في بلد يحكمه القانون لكان مكانه الطبيعي السجن لكنه الآن في حماية نظام بدائي يهمه أحداث الشروخ التي يستطيع إحداثها في المجتمع كي يصطدم الناس ببعضهم البعض ويتركوا له حرية التصرف بالبلاد كما يحلو له.

blob:http://www.independent.co.uk

التتمية في المقال: هل أتاح الله للأزواج ضرب أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا؟ (2)

(Visited 102 times, 1 visits today)

Last modified: 4 يناير، 2023

اشترك للحصول على نصائحنا الأسبوعية ، ومهاراتنا ، ومعداتنا ، ونشراتنا الإخبارية الشيقة.
Close