في أرابيت, الأصول, الكلام بقلم

“عرب” أم “أرب”؟

الصورة: جنود بلاد الرافدين يتصدون لهجوم من الجمالة العرب. من جدارية في المتحف البريطاني

سألني لغوي أجنبي إن كان اسمنا “عرب” أم “أرب” بعدما لاحظ أن عنوان كتابي الأخير  في قسمه العربي “كلام عصر الحجر وعظماء آلهة البشر – تأصيل لغوي للآربة والأكادية والإنجليزية” فيما الاسم في عنوان القسم الإنكليزي Arapīte فهو ليس بالهمز فقط بل بالباء المثلثة (p) أيضاً.

          قلت إن Arapīte لفظة صحيحة موثقة في اللغة الأكادية وردت في نص أكادي بالباء العادية (b) هو هذا:

arbāiu  (noun and adjective ; feminine : arbītu ; Humanities → Geography → Countries] an arab , arab (adjective) ; Arubu : Arabia; Bāzu : the Arabian desert ; Arbītu : Arabic (language) ;

وموثقة بالباء المثلثة (p) في نص أكادي غيره هو هذا:

atā  () why, how come ? atā Arpāyya ḫubtu ša GN iḫbutūni? why is it that the Arabs plundered GN?

الأكادية من أعظم لغات البشر ولغة أول امبراطورية في التاريخ فلا حاجة للجدال لأن التوثيق واضح تماماً وإنما وجب أيضا نظر الفارق بين “عاربة” و”آربة” خصوصاً ان من المؤرخين واللغويين من قرر أن العرب قومان: عاربة ومستعربة، فهذا كلام لا يُلتفت إليه لأسباب منها أن جنس البشر ومواطنتهم في لغتهم، أي أن لغة الفرنسيين فرنسية ولغة الإيطاليين إيطالية والألمان ألمانية وهكذا، لكن باستثناء كما العربية لأن “عرب” أو “أرب” ليست كلمة واحدة بين اثنتين: 1) أر، وهذا أصل ثنائي عريق من عصر الحجر أهم معانيه “أرض”. الفتحة فوق الراء حرف علة (ء) وتمام الاسم “أب” فالمعنى في القسمين “أرض الأب”.

من هو الأب؟ أد، او آدم.

          الفارق الأساسي بين لغة “أرب” العريقة و”عرب” وجود سبعة حروف في العربية ليست في حروف الآربة هي: ذ، ع، ظ، ث، ض، غ، ح. بعض هذه الحروف معروف باسم “الروادف” لكن بعضها قديم ورد في نصوص فرعونية وأوغاريتية ولغات ذات صلة في افريقيا، وفي المحكيات قبول بحروف رديفة وصرف في أخرى مثل الظاء والثاء والذال.

          وفي النص القرآني إشارات عدة إلى أنه “قرأنا عربيا” (يوسف 2، الرعد 37، الزمر 28 وغيرها) فواضح أن لغة القرآن ليست فارسية أو هندية أو يونانية فما هو الهدف من الثبت المتكرر؟ ويبدو أن الهدف يمكن أن يرمي إلى أن اللغة “عربية” وليست “آربية” تماماً لكن معظم كلام الآربة في العربية والكثير من اللفظات بالحاء أو العين حل فيها هذا الحرف أو ذاك بأصل بالهمز فيما حلت الظاء والضاد في كلام عريق بالطاء أو الصاد كما في “ضرب” وأصلها “صرب” و”ظلم” وأصلها “صلم” و”صوم” و”ظمئ” لأن الصوم يمنع الشرب.

وأفرد هذا الكاتب في كتابه الجديد مساحة واسعة لحروف الإحلال والروادف وتأثيرها في العربية وإنما يهمنا هنا معرفة حقيقة اسمنا إذ يبدو من لفظات حرجة مثل “عب” و”عبعب” أن حرف العين حرف ألفي لكن لا نعرف، بعد، من الذي أحلّه محل الهمز إلا أن الحروف السبعة ليست في الأكادية باستثناء لفظات قليلة وردت بالحاء كما في اسم الملحمة “أترا حسيس” أي “المفرط في الحساسية” إلا أن الفارق ليس هائلاً بين “حس” و”جس” فعمل الجس، وهو الأصل، تحسيس الأشياء والحالات هذا ما يفعله الجاسوس.

متى يصبح الفارق مهماً؟

في لفظة مثل “حج”. إن كان الأصل بالهمز فالفارق ليس مهماً فقط بل حرج وتاريخي.

ويبدو أن بعض اللغويين انتبه إلى الفارق. مثلاً، في مطلب أرب في لسان العرب: “الأُرْبانُ لغة في العُرْبانِ. قال أَبو عليّ: هو فُعْلانٌ من الإِرْبِ والأُرْبُونُ لغة في العُرْبُونِ.”

إذا أصاب من نقل ابن منظور عنه أولاً ثم عن “أبو علي” فهل هي “جزيرة العرب” أم “جزيرة الأرب”؟ وإذا اسقطت الألف واللام الحديثة الاضافة إلى العربية نسبياً فهل تكون “جزيرة عرب” أم “جزيرة أراب”؟

الأشياء في حالات مع بعضها لذا يمكن التحقق من أصل “جزيرة العرب أو الأرب” استدعاء اسمين جغرافيين في منطقة غير جزيرة العرب في العالم هي أوروبا وآيبرية. الظاهر أن “أراب” و”أرأب” (أوروبا) اسم واحد لمنطقتين مختلفتين. بناء آيبرية معكوس، أي أنه “أب أر”، والاسم في الحالات الثلاث هو “أرض (أر) الأب (أب)” لكل من جزيرة العرب وأوروبا و”أب أر” (“آيبرية” لشبه الجزيرة التي تضم اليوم إسبانيا والبرتغال وعدداٌ من الممالك القديمة في الشمال والشمال الشرقي.

إذا كان العرب من الأمم القديمة فإن لفظة “عرب” تُبعد عنهم عراقة الأصل فإنما اللفظة ثلاثية من انتاج الجزء الأقرب إلينا من العصر الزراعي قبل نحو عشرة آلاف أو 11 ألف سنة، أصلها معروف هو الثنائي *عر، يتضح معناها في لفظات مثل “عرم” و”عرمرم”، و “عرعرط (الشجر المعروف)، أي الكثرة، فهذا يعني أن صلة العرب باللفظة كثرة عددهم يوم أخرج اللغويون في العصر لفظة “عربط. أما “أرأب” فهي من بناء عصر الحجر، أي الثنائي المتوالف القائم على جمع ثنائيين اثنين في معنين متصلين أولهما المعنى الحرفي، أي معنى كل من الأصلين الثنائيين، ثم المعنى  الاصطلاحي.

هذا المبنى اللغوي، الثنائي المتوالف، وافر في  لسان العرب وإن كان أكثره اختراع إذ يضم نحو ألفي بناء مثله لكن على ألسنة العامة مئات اللفظات الصحيحة مثل “شرشح، خربط، زلزل، فرشخ”.

ويكاد لا يخلو نص تاريخي أو أدبي  في المجلدات المتاحة من لفظات مثل العاربة والعرب والعربية وجزيرة العرب وشبه جزيرة العرب والشام والعراق ومصر وغيرها. ويلاحظ في بعض تآليف النَقَلة اختلاط في تعاريفها المحدّدة استمر حتى نشط بعض الجغرافيين العرب وأقاموا الحدود على أساس طبيعي أكثر علميّة. ثم تدخلت النصوص الإيمانية بعد ذلك وأقامت الحدود على اعتبارات لم تتفق في الحالات كلها مع الحدود الجغرافية، لهذا يُقال في تآليف المنقول «بلاد الاسلام» و«بلاد النصرانية» و«بلاد الفتوحات» و«بلاد الكفر» و«بلاد الروم»، وغيرها.

ومعظم حدود الدول معروف اليوم لكن ليس حدود الأمم فيُقال «أوروبا» وهي بلاد الأوروبيين لكنها تظل جزءاً من قارة آسيا، فيما لفظة مثل «أميركا أو أمريكا» تتطلب التحديد فيُقال أميركا الشمالية وأميركا الوسطى وأميركا اللاتينية أو الاسبانية، ومثلها آسيا، والشرقين الأقصى والأدنى، وجنوب شرق آسيا أو جنوب غربها، وهكذا.

وفي عقول الناس مفاهيم يعرفونها جيداً، فربما أسقطها بعض المؤرخين على غير بلاد وأمم غير أمم من دون حساب للفروق الطبيعية القائمة ليس بين حدود الدول فحسب، وإنما بين الأمم أيضاً. ومن المؤلفين من أقام هذه الحدود بين أصحاب الأديان المختلفة في الأمم نفسها، وأحياناً في دول بعينها.

ثم يُقال: أن تحتاج جماعة الكلام في لسان نحو ألفي كلمة لشرح لفظة «عرب» حالة ربما اعتبرها البعض ظاهرة من ظواهر “الاغراق” في النصوص الكلاسيكية، خصوصاً إذا قُورنت بلفظة «فُرس» التي لا يبدو أن جماعة الكلام احتاجت إلى تعريفها، وكذا «فارس» مع أنها بلاد تضم قوميات شتى وألسنة كثيرة، ولم تستقر حدودها حتى بداية القرن العشرين.

وربما وجد الباحث المستقل الجهد والتفكير أن استقرار شعب ما أو أمّة ما في مكان محدد، ولو في العموم، يُوجد نوعاً من الوحدة البشرية-الجغرافية، كما في الصين، مثلاً، أو حتى فارس. وليس هذا حال جزيرة العرب، كما عرضتها جماعة الكلام في التفاسير والمعاجم، ففرقت بين العرب والعاربة  “العَرَبُ العارِبة هم الخُلَّصُ منهم”، ثم فرّقت بين العرب أنفسهم:  “تقول عَرَبٌ عارِبةٌ وعَرْباءُ صُرَحاءُ ومُتَعَرِّبةُ ومُسْتَعْرِبةٌ دُخَلاءُ ليسوا بخُلَّصٍ، والعربي منسوب إلى العرب وإن لم يكن بدوياً والأعرابي البدوي وهم الأعراب والأعاريب جمع الأعراب”، ثم خلطت انتساب العرب في حالتي التخصيص والتعميم وأضافت إليه الأعاجم والموالي في حالات ابتكرتها،[1]، ثم فصلت العرب فصل التوهم فقيل:  “الأعرابي إذا قيل له يا عربي فرح بذلك وهش له، والعربي إذا قيل له يا أعرابي غضب”، ثم نادى البعض بالتمييز الصريح بين العرب والأعراب استناداً إلى فهم الجماعة لآيات قرآنية بعينها. [2]

هذا، إذاً، فهم ديني لتاريخ العرب أخرجه كثيرون منهم العرب ومنهم غير العرب، استُوقف في بداية القرن الميلادي السابع، ثم سُحب رجوعاً إلى أول الزمان، وربما فسّر سبب تبني جماعة الكلام في تآليفها النقلية الأنسبة البشرية التوراتية. مع ذلك، يعتقد تأصيل الكلام أن سبب شيوع هذه المفاهيم بين جماعة الكلام ليس نصوص القرآن وإنما مستوى فهم جماعة الكلام للنصوص تلك، والاخفاق في تحديد طبقة أركانيّة في القرآن هي طبقة تأريخ الأديان التي ربما تسبّب غيابها في اعتبارات المفسر أو اللغوي في نشوء ما اعتبره البعض تناقضاً بين محتوى بعض الآيات.

الآية ذات العلاقة الأوثق من الحجرات 14 لفهم تاريخ العرب هي الآية 213 في سورة البقرة (كان الناس أمة واحدة). تأصيل الكلام يساهم في زيادة الفهم عندما يبيّن أن «البدو» (بدأ، بداية) ليسوا أهل البعير والغلظة وإنما «أهل البدء». جزيرة العرب، لذلك، موطن أهل البدء اختاروا هذه المنطقة الشاسعة التي تميّزت في مرحلة من مراحل تاريخها القديم بوجود شعبين مختلفين تمكّنا في مرحلة بعيدة من التاريخ من المكاننة أو المجاورة، فأنتجت التقارب الاجتماعي واللغوي.

لكن الاختلافات بين القومين أو الأمتين، بقيت مهمة، وتقدمت القبليّة الاعتبارات جميعاً فحدث شقاق كبير بين قومي عد وأد استمر ألفيّات عدّة ثم رُئب في عصر الاسلام عقوداً قليلة انفرط عقدها ثانية بعده. وخلال الألفيّات الكثيرة تلك، كانت المواطن حيثما حل المواطنون، أي القبائل، فإذا انتقلت القبائل إلى مكان آخر حملت مواطنها معها لكن تاريخها ارتبط بمواطنها الأقدم جميعاً، أو المهم منها، فربما صار لها تاريخ في كل بقعة عمّرتها.

لذا، ربما أمكن القول إنه لا يوجد تعريف واضح للفظة «عربي» لسبب بسيط هو أن هوية معظم الناس هوية قبائلهم، ولا يوجد تعريف جغرافي لسبب بسيط آخر هو أن معظم جزيرة العرب موطن معظم القبائل الأهم فالموطن هو المكان الذي يوفّر الماء والغذاء. إذا هطل المطر في غير مكان القبيلة ارتحل القوم إلى المكان الذي هطل فيه المطر فصار موطنهم.

ويمكن القول بوجود فارق بين العاربة والعرب يقوم أساساً على الفرق بين قبائل العصر الأول حتى منتصف العصر الزراعي، ثم قبائل العصر الثاني، أو العصر العربي في النصف الثاني من العصر الزراعي. وخرجت قبائل العاربة من مواطنها في جزيرة العرب بضغط القبائل الصاعدة، وانتشرت في بلاد الرافدين والشام ومصر وأوربا، وأقامت الأمبراطوريات المعروفة، ولم يعد من الممكن مقارنة حالها بحال جزيرة العرب التي سادها الجهل والتخلف فلم تتمكن من إقامة عمارة تاريخية واحدة خلال ألفي سنة.

البحث التاريخي غير البحث السياسي أو الجغرافي أو الاجتماعي، وكذا البحث الديني لأن الأديان عابرة للحدود المكانية والزمانيّة والعرقيّة، مثلها مثل باقي المعارف والثقافات. وكان في جزيرة العرب يهود ونصارى لكن الشيء بجملته، لذا يمكن القول إن جزيرة العرب اليوم جزيرة الاسلام. إذا قُصد بجزيرة العرب المنطقة التي تحدها مصر غرباً والأردن والعراق شمالاً، فهذا تقسيم معاهدة سايكس – بيكو. إذا فرّق الباحث لغرض بحثه بين جزيرة العرب وشبه جزيرة العرب فهذه منطقة لها حدود طبيعية عامة هي سلسلة جبال زغروس شرق العراق، وسلسلة جبال طوروس شمال سورية، والبحر الأبيض المتوسط غرباً. جيولوجياً، يمكن القول بوجود تركيب باسم «السرير العربي» هو الطبقة الأرضية الواحدة التي تشمل جزيرة العرب وسيناء الشرقية والامتداد شمالاً حتى جبال طوروس، فيما السهل الرسوبي في جنوب العراق السهل نفسه بامتداده الغربي، وكانت شبه جزيرة العرب وساحل افريقيا الشرقي جسماً واحداً في عصور جيولوجية مليونية سابقة ففرّقهما تكوّن البحر الأحمر.

رع↔عر، غرب، خراسان، زغروس، سند، طوروس

الفصيلة اللغوية الروادفية رع↔عر مصدر عرب مشتقة من معنى الكثرة الواضح في عرعر وعرمرم. وطن العرب لمن ابتكر هذه الفصيلة اللغوية وطن «غروب الشمس»، وربما الحضارة. لهذا معنى أراب erābu  (بالهمز) في الآكادية «الغروب والمساء».

خرشان ḫuršānu  من لفظات الآكادية تعني الجبل أو ما ارتفع مثله، كما التلال التي كانت تبنيها الجيوش قرب الأسوار لاقتحام المدن، يبدو أنها صارت «خراسان» في زمن آخر. زاي زغروس تبدو سيناً والغين جيم مثلثة، فهذا قسم أول ثانيه «رس» المختزلة من رأس ←  روس، فاسم السلسلة سچروس، أي رأس الجبال أو أعلاها، لتأصيل الكلام يبدو.

السند Sindu  في الآكادية تعني باكستان والهند، لأن سندو sindû  تعني خشب الهند الذي احتاجه الكنعانيون والآشوريون لبناء السفن والقوارب الكبيرة. أصلها، كما يرى تأصيل الكلام، من النواة *ند، فربما عنت سلسلة جبال هيمالايا التي ربما حسب البعض أنها «تسند» الأرض وراءها فهي «سند».

جبال طوروس من لفظة تعني «الثور»، لها ثبت في الآكادية واضح توروس Taurus، ومن معانيها برج الثور. الثور من صفات الأرباب في الكنعانية لقوته الفائقة تبنّته قبائل وأشخاص كما قبيلة ثور وحميد بن ثور وارتباط «ثور» بالرب واضح في اسم برج الثور في الآكادية ألو  Alûأي إل.

[1] الأزهري: رجل عربي إذا كان نسبه في العرب ثابتاً وإن لم يكن فصيحاً وجمعه العرب كما يقال رجل مجوسي ويهودي والجمع بحذف ياء النسبة اليهود والمجوس، ورجل معرب إذا كان فصيحاً وإن كان عجمي النسب، ورجل أعرابي إذا كان بدوياً صاحب نجعة وانتواء وارتياد للكلإ وتتبع لمساقط الغيث وسواء كان من العرب أو من مواليهم (لسانعرب).

[2]  الأزهري: الذي لا يفرق بين العربي والأعراب والعربي والأعرابي ربما تحامل على العرب بما يتأوله في هذه الآية (الحجرات 14)، وهو لا يميز بين العرب والأعراب، ولا يجوز أن يقال للمهاجرين والأنصار أعراب إنما هم عرب لأنهم استوطنوا القرى العربية وسكنوا المدن (لسان: عرب).

(Visited 10 times, 1 visits today)

Last modified: 29 مايو، 2023

اشترك للحصول على نصائحنا الأسبوعية ، ومهاراتنا ، ومعداتنا ، ونشراتنا الإخبارية الشيقة.
Close