في أرابيت بقلم

مفاهيم خلق البشر

القرآن الكريم أخرج الناس من الجاهلية ومفسرون أعادوهم إليها

في تفسير الآية الكريمة: «خَلَقَ لَكُم مِّن أَنفُسِكُم أَزوَاجًا لِّتَسكُنُوا إِلَيهَا وَجَعَلَ بَينَكُم مَّوَدَّةً وَرَحمَةً» (الروم 21)، عرض الطبري: «يقول تعالى ذكره: ومن حججه وأدلته على ذلك أيضا خلقه لأبيكم آدم من نفسه زوجة ليسكن إليها، وذلك أنه خلق حوّاء من ضلع من أضلاع آدم، كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة ) وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا (خلقها لكم من ضلع من أضلاعه. وقوله: (وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)، يقول: جعل بينكم بالمصاهرة والختونة مودة تتوادّون بها، وتتواصلون من أجلها، (وَرَحْمَةً)، رحمكم بها، فعطف بعضكم بذلك على بعض.»

أحد أهم الفروق بين اليهودية والاسلام أن اليهودية ليست دين العالمين جميعاً، مثل الاسلام، والآيات والأحاديث التي لا تفرق بين العرب وغيرهم كثيرة وواضحة. ولو نظر العاقل في الآيات التي تتضمن لفظة مثل «عرب» أو «عربي» لوجدها نحو 12 حالة كلها في عربيّة القرآن باستثناء «عربا أترابا» (الواقعة 37) وهي هنا صفة ربما انطبقت على العرب وربما انطبقت على غيرهم. لذا أن يكون محيط الآية أعلاه الانسان في المطلق، ثم يصبح في التفسير عربياً ويُقام على أساس المصاهرة والختونة أو الختان، نوع من تفريغ الآية من إنسانيتها المطلقة، وتسويرها بحدود فرضها مفسرون على الآية.

ولم يقل الطبري صراحة إن الله خلق حواء من ضلع من أضلاع آدم، وإنما أحال مسؤولية هذا الزعم إلى جاهل اسمه بشر قرر أن من معاني الآية أن الله خلق الزوجات «من ضلع من أضلاعه»، أي أضلاع آدم، لكنه لم يكرمنا بتحديد أي من الاضلاع الاربعة والعشرين خرجت حواء.

ولا علاقة للآية برأي نقله الطبري عن بش، وناقل الكفر الانساني في هذه الحالة ربما اعتبر كافراً مثل المنقول عنه لأنه أتاح له في مجلداته مكاناً وكان عليه التزام منهجيته البحثية وإحاطة الكلام المنقول بسور “زعمَ” والسماح للناس التقرير إن كانت سفاهة بشر رأي يؤخذ به أو يرمى به وبصاحبه عرض الحائط.

وليس في الآية: «أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً» (النساء 1)، أي إشارة إلى خلق المرأة من ضلع الرجل، وإنما فيها الخلق من «نفس واحدة»، ومن هذه النفس الواحدة «خلق منها زوجها»، وليس للنفس العضوية الطبيعية التي للضلع، أو عضوية الخلق في حالة خلق ثانية هي خلق عيسى. أما حالة الخلق البشري فهي عكس ما زعمه بشر تماماً، أي أن الرجل يخرج من رحم المرأة لا المرأة من رحم ضلع الرجل تخرج.

والرحم الأنثوي لا يفرّق بين الذكر والأنثى فكلاهما له الحنان نفسه والعطاء نفسه والحياة نفسها. أما الرحم الذكوري الذي أخرجه بشر، وغيره ومن نقل عنهم، فهو ابتكار كهنة سومر وبابل في عصور مأسسة الأديان منذ نحو خمسة آلاف سنة لالغاء أهم وظائف المرأة الطبيعية أمّا للناس ومربيّة للأجيال، وإنزالها من على عرشها التاريخي في عصر الأم، وسوق بنات الناس إلى أسرّة الكهنة في المعابد العظيمة التي بنوها لأنفسهم واغتصابهن وعرضهن بعد ذلك في كرخانات المعابد أو خيام المتعة خارج المعابد وتحت أسوار المدن عاهرات لمد الكهنة والمعابد بمال العهر والاغتصاب، واكتساب تأييد المستمتعين لهم ولمعابدهم.

وكتب سائل من الناس من يصفون أنفسهم بـ “أهل العلم” يستفتي: «وردت مسألة خلق المرأة من ضلع أعوج في كثير من كتب الصحاح وبعض العلماء من أهل السنة والجماعة، فما مدى صحة تلك الأحاديث، وهل تتفق مع تكريم النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة، وهل يعتبر آدم بموجب ذلك نكح نفسه إذا كانت حواء مخلوقة من ضلعه فيصبح كل وجودنا حراماً بموجب هذه الرواية، أفتونا مأجورين.»

وإشارة السائل إلى أن تشويه خلق المرأة لا مجرد تشويه سمعتها أماً للناس جميعاً في «كتب الصحاح» لها ما يدعمها لا في كثير الكلام بل في طبيعية تكوين جماعة الكلام التي تخلو من امرأة واحدة أو تكاد لا في التفسير فحسب وإنما في الحديث والتأريخ والفقه واللغة، ولا يُعرف إن كان أحد أسباب ذلك اعتبار النساء «فروجاً» أو كائناً مكانه تحت الرجل، حتى أن كتاباً مثل لسان العرب يتوقع جامعه أن يقرأه الرجل والمرأة لا يستحي تراجمته من وصف زوجات الناس بأنهن «تحت جرير» أو «تحت عبد الرحمن بن عوف» أو أنها كانت «امرأَة طائيَّة كانت تحت امرئ القيس» أو «تحت تحت أَخيه جعفر» أو «تحت تحت رجل موسر»، وغيره ذلك حالات يرقى بعضها إلى مصاف الهزء والكريكاتورية. وفي الكلام أن سعْداً خطب امرأةً بمكة فقيل له إِنها تمْشِي على سِتٍّ إِذا أقْبلتْ وعلى أربع إِذا أدْبرتْ يعني بالسِّتِّ يديها وثدْييْها ورِجْليها أي أنها لعِظم ثدييها ويديها كأنها تمْشِي مُكِبّةً والأربعُ رجلاها وأليتاها وأنهما كادتا تمسّان الأرض لعظمهما وهي بنتُ غيْلان الثّقفِيّةُ التي قيل فيها تُقْبِلُ بأربع وتُدْبِرُ بثمانٍ وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف ( لسان العرب، ستت).

ومن الباحثين وأنصار حقوق المرأة من يتهم كثيرين ممن اشتغلوا بالأحاديث بـ«عصابة ناقمة على النساء» لأغراض يُزعم أنها شخصية ليس لها في آيات القرآن أساس، وردت في بعض أهم كتب الأحاديث مثل صحيح البخاري (4706) وصحيح مسلم (4924) وابن ماجه (3988) والكافي (516:5) والترمذي (2528) ومسند أحمد (19008).

أما الزعم أن المرأة خُلقت من ضلع أعوج فهي في حديثين منقولين عن أبي هريرة، وصفه أحدهم بالقول هو «حَدِيث حَسَن صَحِيح غَرِيب مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَإِسْنَادُهُ جَيِّد»، فهذه شهادة واحد من الجماعة في واحد من الجماعة نفسها آخر. وهذا اعتراف منهما معاً ومن أصحاب تآليف النقل والتكرار أنهما جاؤوا من ضلع أعوج هو ضلع أمهاتهم فذهب فيهم من عوج الرأي ما زعموا هم وغيرهم أنه عوج طبيعي في الأرحام التي حملتهم.

ولا حول ولا قوة إلا بالله.

(Visited 2 times, 1 visits today)

Last modified: 31 ديسمبر، 2022

اشترك للحصول على نصائحنا الأسبوعية ، ومهاراتنا ، ومعداتنا ، ونشراتنا الإخبارية الشيقة.
Close